السبت، 30 مايو 2015

بعد التحية ..



سيدي التعيس .. حضارات السادة المتعوسين.

بعد التحية ..

في الوقت الذي أهنئكم فيه بصدق توقعاتكم وبطلان وعودي.. و نضج تشائمكم و خذلان تفاؤلي .. أقول أنني خسرت الرهان.
الحرب طالت .. و الموت طال .. و زفرة الدم طالت .. و صدى الهاوتزر طال.
النصر الذي إنتظرته لم يأتي في موعده .. و الموت أيضاً لم يأتي .. جواز السفر لم يأتي .. و أموال السفر لم تأتي .. نفس الهواء و الماء لم تتغير ..كذلك الخبز و المكياطة لم يتغيرا, أخذهم كل يوم و كأنه أول يوم في الحرب.
بنغازي لم تتعافى و لن تتعافى إلا بـ إنتهاء الحرب .. ربما الأحداث الإيجابية و الفعاليات الشعبية التي نراها  شئ جيد نعم,لكنه ليس تعافي .. أو إنه ليس التعافي الذي ننشد.

ربما بعد هذه الحرب بسنين ستؤلف الكتب و الأفلام عنها .. أقولها لكم من الأن .. كله كذب .. لن يستطيعوا توصيل ماحصل ولا حتى بكافة الوسائل التيكنلوجية الحديثة .. ماحصل في بنغازي يبقى في بنغازي و لن يخرج .. يبقى في تلك النفس الخائفة من سقوط العشوائي .. و تبقى في أفكار ذلك النازح الذي يحن إلى بيته .. و تبقى في رعشات الطفل الذي ولد في مدرسة وسط صقيع يناير.

لم أتأسف لشئ سوى لتلك النفوس االتي تخالطت معها في هذه الحرب .. عشرات المناضلين و الإعلاميين و المحللين و الذين يدعون أنهم حاربوا الإرهاب بالعين و السن و الكلمة .. بينما الحقيقة لم تمت فنحن نعرف جيداً أن من حارب الإرهاب مات و أغتيل و ذبح أو خطف .. غير ذلك يعتبر "ضراطاً" في وجه الإرهاب.

ما أعرفه جيداً  أنه لايوجد بطل يتنفس .. الأبطال كلهم أموات .. عدى المهدي بن ضيف الله فأن هدفاه في مرمى الأهلي بنغازي لم أنساهم .. فذلك اليوم كان مميزاً .. خرجت صباحاً لنادي النصر لأركب الحافة التي توجهت لملعب هيوغو تشافيز بمنطقة بنينا لكن بعد المباراة لم نجد الحافلة .. رجعنا نتمشى من منطقة بنينا إلى معسكر الصاعقة على أقدامنا .. إنها مسافة كبيرة و لكن فرحة الفوز تجعلها كأنها بضع أمتار فقط.

أتمنى أن لاترجع هذه الأيام .. لأنها ستفقد شهوتها .. فالعالم تغير و الناس تغيرت و لكل وقتٍ وقت .. أتمنى أيضاً أن لا يرجع ابراهيم الصافي للغناء .. ولا يرجع احميدة فاصوليا للفاصوليا .. و لا بوليفة للمفروم.


صوت في خاطري يقول .. لك ذلك .. فبنغازي لن ترجع مثلما كانت .. ربما ستكون أفضل من ما كانت .. ولكن روح المدينة التي قال عنها الصادق النيهوم أنها ماتت مقتولة في الحرب .. لم تمت مقتولة بل توفيت بحسرتها على الزمان الذي طالما جار عليها و لم يحميها منه أحد.