الجمعة، 23 أكتوبر 2015

بركة الدماء

مساء الجمعة الثالث و العشرين من أكتوبر وسط ماتبقى من بنغازي.
الجو رطب .. مرفق بنسمة بداية الشتاء .. رفقة الكاميرة صرت أمشي بين صفوف المتظاهرين الرافضين للوصاية و الذل و المهانة و الرافعين لشعار بنغازي و ليصمت الجميع .
ألاف الوجوه رأيتها اليوم حملت في ملامحها ملح بنغازي المدينة .. لا ألتقط الصور إلا للوجوه .. لا لافتات و لا صور جماعية فقط ألتقط الوجوه .. ذاك الخليط و النسيج الغريب لـ لباس بنغازي رأيته اليوم.
فزاني و مصراتي و بدوي و قريتلي و أمازيغي و تركي و مصري الأصل .. كلها كانت مجتمعة اليوم.
حملت حقيبتي على كتفي لأستعد للعودة مكتفياً بما إلتقطه من صور.
عند مروري بمخرج ساحة الكيش ألقيت التحية على رجل مرور يسير زحام الطريق الذي تسببت به المظاهرة حتى حانت اللحظة الذي ظننت فيها  أن عزرائيل جاء لتحيتي.

صوت إنفجار هائل ناحية جزيرة الدوران المزدحمة.

قذيفة!!
قتلى!!
جرحى!!
أشلاء!!
و عشرات من رجال الأمن و المدنيين يذهبون نحوها حتى غابت اجسادهم وسط الدخان الناتج عنها الكل هبوا لنجدة أخوتهم .. عجبت لأمر رجل وسط الطريق في السيارة ترك عائلته و زوجته بالسيارة و ذهب لنجدة المصابين .. كل السيارات تضغط "البيابات" و تكبر و تهتف لروح بنغازي.
لم يكد الدخان يختفي حتى سقطت القذيفة الثانية
فالثالثة
فالرابعة
فالخامسة
فالسادسة
و كان الجنون بعينه ..
البعض فقط هربوا و عادوا لمنازلهم .. حالة من الهيستيريا الجماعية ملئت المكان .. الكل يهتف بفناء روحه لأجل تراب بنغازي .. حتى النساء .. حتى الأطفال ..

ما بكم ياقوم؟
من اي طينة خلقكم الخالق؟
ألاترون الدماء؟
اليس فيكم شعور يسمى الخوف؟
أم مللتموه؟ فكرهتموه و لم يعد الخوف يخيفكم؟
ربما أنا غبي .. ربما الخوف صار يخاف أهل بنغازي .. او الأرجح أن الخوف باسل فلايقدر على ملح هذه المدينة و هم أهلها.

لم يخطر ببالي شئ سوى مقطع من رواية شكشوكة للروائي الليبي "محمد الأصفر" حين كتب عام ٢٠٠٣.

أنا الأن في بنغازي ..
أنا الأن أغني ..
وكانت ي حبيبتي المؤامرة ..
وكانت المدينة فالصباح ..
بركة الدماء ..
و كانت السماء في الصباح ..
مثلك باكية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق